الفيلسوف الشاعر
نظم أخي الشاعر
أحمد الهلالي قصيدة مطولة ذكر فيها رفقته في مكتب الديوان، وذكر الجميع بما يعرف،
وهو شاعر أريب لبيب، لكن قدر الله أن يكون نصيبي من المدح هجاءً مغلفًا بالحب
والود، حيث عاب عليَّ استكمالي للدراسات العليا بقسم الفلسفة، وكانت لي فترة طويلة
انصرفت فيها عن الشعر، قراءة ونظمًا، لكن شاعرنا الهُمام قد أثار فيَّ غريزة الشعر
من مكامنها، فتركت تلك الغريزة على سجيَّتها من غير إعنات أو حمل لها على ما لا
تحبُّ، فطفقت تنظم لي ولكم هذه الكلمات؛ دفاعًا عني وعن دراستي وشيوخي:
رجعت ليالي الشعر رجْعَ أماني = رجعت وفجَّر عودُها ألحاني
عادت ويَحدوها الهلالي شاعرًا = ذَرِبُ اللسان يبين أيَّ بيانِ
الألمعيُّ العبقريُّ فصاحةً = المُتقِن اللُّغويُّ ذو التبيانِ
هو فردنا، هو نَجمنا، ولسانُنا = في الخَطبِ، قل: هْو شاعرُ
الدِّيوان
هو ناظم الدُّرَر القلائد زينةً = بين الأنام، وناثِرُ
التِّيجانِ
نظمٌ أجاد الشعرُ رصفَ بَيانه = وأفاض حُسْن الخُلْق فيه معاني
لكنه قد قال فيَّ مقالةً = قد جاء يَمدحُني بها فهَجاني
مَن قال إن العلم زيغٌ كله؟ = هذا وربي أعظم الخِذلانِ!
أما مقالات الفلاسفة الأُلى = منها المُصيبُ ومُخطِئ البُرهان
ما كل قول للفلاسف زائغًا = إبليسُ قال الحقَّ في الفُرقان!
والله يأمرُنا بدرس مقاله = كي لا نبوء بذلة الخسران!
قل لي بربك: هل قرأت نصوصهم = بتطاول الأيام والأزمانِ؟!
فوعيتَ منها كلَّ خبْثٍ ظاهر = أم ذاك قول فلانة وفلان؟!
لا نستطيع النَّقدَ بالجَهلِ الذي = يُلقي علينا ثُلَّة
الحِدْثانِ
أما أنا إن كنتُ سالكَ سُبْلهم = فأنا ضيائي في الدُّجى قُرآني
فهو الضِّياء، وليس نورًا غيرُه = مِن بَعدِه قولُ النَّبِي
العَدناني
أنا مُبحِرٌ كلُّ العلوم سفينتي = وسْطَ اضطراب المَوجِ
والهيَجانِ
أنا ناهلٌ مِن كلِّ عذْب سلسلٍ = ومُباعِد عن كدْرة الجُهْلانِ
أنا فيلسوفُ الحقِّ، قمتُ مدافعًا = عن دينِ ربي إذ قلاه
الشَّاني
أنا فيلسوف الحبِّ، جئتُ مغازلاً = مِن كلِّ علمٍ حُسنَه
بجَناني
أنا فيلسوفُ الشِّعرِ، رائدُ أُمَّةٍ = يُنبيكَ عني حكمتي
وبَياني
******
أما شيوخي، في الدُّجى كقَنادِلٍ = هتكَت سِتارَ جَهالةِ
الحَيْرانِ
الفارسُ اللُّغويُّ، شَيخٌ ديِّنٌ = لم يخشَ في الطاغوت قول
جبانِ
****
وهو الجوادُ بلؤلؤٍ وسبائك = مِن غَيرِ تَقتيرٍ ولا إمنانِ
****
*****
عذبُ الحَديثِ، كأنَّ موجًا هادرًا = يَسري فيُوقِظ غفلةَ
القُبطانِ
*****
هو سيِّد لا زال يَرقى سلمًا = للمَجدِ، حتى حفَّه القمَرانِ
******
وأبٌ حَنونٌ للفَضائلِ مُرشِدٌ = ومعلِّم للفَضلِ والإحسانِ
*****
ومُجاورٌ قبرَ الرسول تحفُّه = خير الخلائق في أجلِّ مَكانِ
الهادِئُ الأخلاقِ والسَّمحُ الذي = بعَث الأمان بقلبيَ
الوَلْهانِ
******
والطاهِرُ الأَخلاقِ عفٌّ فاضلٌ = مُتسَرْبِلٌ بالحَمدِ
للرَّحمنِ
******
دارَ العلومِ، ودارَ كلِّ مُجاهِدٍ = حمَلَ الضياءَ بليلةِ الدَّجيانِ
يا أهلَ دارِ العلمِ طوبى إنكم = أهلُ الجهادِ كتيبةُ الإيمانِ
لكنَّهم عَشِقُوا الظلامَ وصفَّقوا = للجهلِ، للظُّلماتِ،
للسَّجانِ
سجَنوا حُماة العِلمِ، كلَّ مُجاهدٍ = حُجُبَ الظَّلامِ
وذِلَّةَ القُطعانِ
بل قتَّلوا الطلابَ شرَّ مَقاتلٍ = بالدَّهسِ، بالإحراقِ،
بالنِّيرانِ
حمَلوا السلاحَ لكلِّ صوتٍ ظاهِرٍ = بالحقِّ ثارَ كثَورةِ
البُركانِ
حبَسوا البناتِ المؤمناتِ وصفَّقوا = للراقصاتِ بلَيلةِ
السَّكرانِ
ولتزْأَري دارَ العلومِ وزَمْجِري = حتَّى يَعودَ الحقُّ
للأَوطانِ
متفلسفٌ ولذاك أردى نفسَه = بدخولِ قسم
الزَّيغِ والبُهتانِ
يدْعون فلسفةَ الأراذلِ حكمةً = تُجدي وهذا بيِّنُ البطلانِ
[2] - هو أبو حامد الغزَّالي، والتهافت: كتابه "تهافت الفلاسفة"،
وفيه رد عليهم بالحجج العقلية، وفنَّد مقالات مخطئهم بنفس طرائقهم الفلسفية.
[3] - هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام
بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي.
[4] - هو أستاذنا الأستاذ الشيخ حسن بن عبداللطيف الشافعي، كان نائبًا لشيخ
الأزهر، ثم استقال من منصبه بسبب الأحداث الأخيرة، وهو الآن رئيس مجمع اللغة
العربية بالقاهرة.
[8] - ومن عادته - حفظه الله - أنه كان يكلف الطلاب بالأبحاث، ثم يجلس صاحب
البحث إلى جواره ليشرح بحثه ويتلقى من الطلاب الأسئلة ويجيب عليها، فيتعود الطالب
مواجهة المستمعين ويستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية وطلاقة، دون خشية أو رهبة، ولم أر
أحدًا يفعل هذا غيره!
[13] - هو أستاذنا الأستاذ الدكتور: محمد الشرقاوي، وهو الآن يعمل أستاذًا
في المدينة المنورة، وهو الذي امتحنني امتحان القبول لقسم الفلسفة، وكنت قلقًا
مضطربًا يومها، إلا أن كلماته كانت بردًا وطمأنينة على قلبي المضطرب.
[14] - هو أستاذنا الأستاذ الدكتور حامد طاهر، نائب رئيس جامعة القاهرة
الأسبق، وهو ممن لهم اهتمام بالشعر، وله من الدواوين: الطواحين، ديوان اللحظات الأخيرة،
ديوان النباحي، ديوان حامد طاهر، ديوان اللحظات النادرة، ديوان شجرة التوت، وغيرها
من الدواوين الشعرية والكتب والمقالات الأدبية والنقدية، هذا غير نشاطه في مجال
الفلسفة.
[17] - هو عميد دار العلوم الدكتور محمد صالح
توفيق، وله مع الطلاب والطالبات مواقف يندى لها الجبين، ومن عجب الزمان أن يعلو
دار العلوم أستاذ اللغة العبرية!