-->
موقع محمود العيسوي موقع محمود العيسوي
random

مواضيع تهمك

random
random
جاري التحميل ...
random

نظرية التعاقب الدوري للحضارات عند ابن خلدون




نظرية التعاقب الدوري للحضارات

عند ابن خلدون



بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

"لقد كانت النظرة التقليدية إلى التأريخ تهتم غاية ما تهتم بجمع الوقائع العسكرية والتحولات السياسية التي تتخذ صور المعاهدات أو التنازلات أو ما إلى ذلك من أمور تتصل بطريق أو بآخر بالخط السياسي والعسكري.
وقلما كان قارئ التاريخ يجد في ثنايا الكتابات الموضوعية أو الحولية البالغة حد المجلدات سطورًا أو صفحات تتناول ناحية فكرية أو اعتقادية، أو تحولاً اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا، أو رؤية نفسية، أو نظرة شبه شاملة - فضلاً عن النظرة الشاملة - ترصد سائر العوامل المحرِّكة والمهمة في صنع الحدث التاريخي.
إن ذلك المنهج - بصفة عامة - قد سيطر على حركة التاريخ البشري في سائر كتابات المؤرخين - باستثناء بعض النظرات العارضة - حتى ظهر ذلك العالم المغربي الأندلسي المسلم عبدالرحمن بن خلدون، الذي استطاع أن يضع رؤية تنظيرية لتفسير التأريخ بعوامل مختلفة، سماها طورًا العصبية الدينية أو القبلية، وسماها طورًا البيئة (أي الأثر الجغرافي) كما ألمع إلى العوامل البيولوجية والاقتصادية[1].
لقد وقف ابن خلدون متفردًا، كحد فاصل بين مرحلتين متميزتين في المنهج التأريخي، وقد أعطى بهذا المنهج المتفرد سبقًا للحضارة الإسلامية، التي كان لها الفضل الكبير في الانتقال بالتأريخ من مرحلة الجمع إلى مرحلة التفسير، ومن منهجية التوثيق إلى منهجية التمحيص والتركيب الفلسفي الذي يمثل مرحلة جديدة في الرشد العقلي للإنسانية كلها[2].









المبحث الأول:

التعريف بابن خَلدون



- حياته.
- أهم مؤلفاته.
- أثره.
هو عبدالرحمن أبو زيد ولي الدين ابن خَلدون - بفتح الخاء.
وأما سلسلة نسبه فقد ذكرها ابن خلدون نفسه في كتابه "التعريف" على هذا الوجه:
"محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن خالد (المعروف بابن خلدون، رأس هذه الأسرة بالأندلس والمغرب، وإليه ينتسب جميع أفرادها) ابن عثمان بن هانئ بن الخطاب بن كريب بن معديكرب بن الحارث بن وائل بن حجر[4].
ولد ابن خلدون بتونس في غرة رمضان سنة 732 هـ (27 مايو سنة 1332م)[5].
لما بلغ سن التعليم بدأ بحفظ القرآن وتجويده حسب المنهج الذي كان متبعًا في كثير من البلاد الإسلامية، تتلمذ على أيدي الكثير من العلماء والشيوخ، وفي مقدمتهم أبوه، فقرأ القرآن بالقراءات السبع، وبقراءة يعقوب الحضرمي، ودرس العلوم الشرعية؛ من تفسير وحديث وفقه على المذهب المالكي، وأصول وتوحيد، ودرس العلوم اللسانية؛ من لغة ونحو وصرف وبلاغة وأدب، ثم درس المنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية فيما بعد، وحظي في جميع دراساته بإعجابهم ونال إجازاتهم[6].
غير أن ابن خلدون قد انقطع عن الدراسة في وقت مبكر بسبب هجرة العلماء والأدباء من تونس بعد وباء جارف سنة 750 هـ، وكان ابن خلدون حينئذ قد بلغ الثامنة عشرة من عمره، فبدأ يشتغل بالوظائف العامة والسياسة، مع متابعة مستمرة للقراءة والاطلاع والكتابة والتعليم[7].
تقلد الحجابة لكثير من الأمراء، وسفر لدى حكومات كثيرة، في إسبانيا وإفريقية، وفي البلاط النصراني في إشبيلية، وحضر في بلاط تيمورلنك بدمشق[8].
تفرغ للتأليف نحو ثمان سنين، فألف  خلالها كتابه : "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، ووضع له مقدمته الشهيرة بمقدمة ابن خلدون.
عمل بالقضاء والتدريس قرابة 24 سنة قضى معظمها في مصر.
وفي السادس والعشرين من رمضان سنة 808 هـ (16 مارس 1406م) توفي العلامة ابن خلدون فجأة عن ستة وسبعين عامًا[9].

- أهم مؤلفاته:

1- العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر:
وهو أكبر مؤلفات ابن خلدون رحمه الله، وهو سرد تاريخي لجوانب من التاريخ الإسلامي وبخاصة في الشمال الإفريقي على النمط التقليدي، لا يعكس المميزات الفكرية التي عرف بها ابن خلدون في مقدمته.
2- المقدمة:
وهو مجرد مقدمة لكتابه "العبر"، ولكنه يمثل تصوره لعلم التاريخ، ونظريته في التمدن الإنساني، وتحليلاته لذلك التمدن ومراحله وظواهره وقوانينه، مطبقًا ذلك كله على الحضارة الإسلامية، وتجلياته الفكرية؛ شرعية ولغوية وعلمية وفلسفية، ومن ثم اشتهرت المقدمة كأنها كتاب مستقل عن أصله، واشتهر به مؤلفه على مستوى العالم باعتباره قمة من قمم الفكر الإسلامي[10].



3- التعريف:
وهو كتاب أرَّخ فيه ابن خلدون لحياته، ولم يقتصر عليها، بل ذكر كذلك كثيرًا مما يتصل بتاريخه من الحوادث والرسائل والخطب والوثائق، ويصف أحوال كثير من المجتمعات والنظم التي كان له علاقة بها، وترجم لمعظم من عرض ذكرهم في الكتاب[11].

- أثره:

مع صخب الصراعات الصغيرة الطائفية في المجتمع الإسلامي العريض ضاعت إيقاعات ابن خلدون، فلم تظهر إلا بعد أن اكتشف أصداءها أوربيون كانوا يصغون بانتباه حضاري كبير لكل الإيقاعات المنبعثة من أركان العالم الإسلامي المتحضر، وهذا حق لا يمكن إنكاره؛ فإن ابن خلدون كان خميرة قوية، وإن لم نستطع نحن المسلمين الإفادة منها، فإن الأوربيين قد أفادوا منها أي إفادة، ويعتبر ابن خلدون من القلائل الذين ترجمت أعمالهم في وقت مبكر إلى كل لغات العالم الحية تقريبًا، وقد كتب الأوربيون حول مقدمته الشهيرة (وهي الجزء الأول من كتابه الكبير " العبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر) مئات الدراسات، بحيث لا يجد المؤرخ المسلم أي حرج في أن يصرِّح بأن تأثير فكر ابن خلدون (بمقدمته في تفسير التأريخ وعلم العمران البشري) كان تأثيرًا مباشرًا وقويًّا وحاسمًا في يقظة الحضارة الأوروبية، وتعتبر القائمة التي أوردها الدكتور (عبد الرحمن بدوي) حول الدراسات الأوربية عن ابن خلدون (في كتابه عنه) من الأدلة الواضحة على عمق هذا التأثير ووضوحه[12].
على أن ابن خلدون من جهة أخرى كان يحظى بتقدير فريق قوي من الرأي المصري المفكِّر، وكان على رأس هذا الفريق المؤرخ العلامة تقي الدين المقريزي الذي درس في فتوته على ابن خلدون وأعجب بغزير علمه ورائع محاضراته وطريف آرائه ونظرياته.
وهناك مؤرخ مصري آخر هو أبو المحاسن بن تغري بردي يشاطر شيخه المقريزي تقديره لابن خلدون ويشيد بمقدرته ونزاهته في ولاية القضاء, ويقول لنا: إنه "باشر القضاء بحرمة وافرة وعظمة زائدة وحمدت سيرته"، ويظهر أثر ابن خلدون أيضًا في اعتماد بعض أكابر الكتاب المصريين المعاصرين عليه والاقتباس من مقدمته وتاريخه، ومن هؤلاء أبو العباس القلقشندي صاحب كتاب "صبح الأعشى"؛ فإنه يقتبس من ابن خلدون في مواضع شتى من موسوعته[13].
وعني المفكرون المسلمون المشغولون بالإصلاح والنهضة في القرنين الأخيرين بأفكاره ومؤلفاته, ومن أبرزهم: الشيخ محمد عبده وتلاميذه بمصر، وكان - رحمه الله - يدرس " المقدمة " في مدرسة " دار العلوم " وغيرها، ومنهم المفكر الجزائري مالك بن نبي, فضلاً عن اشتغال العديد من الباحثين الجامعيين بنظرياته في الاجتماع والثقافة وعلى رأسهم المفكر المصري البارز الدكتور طه حسين[14].





المبحث الثاني

فلسفة ابن خلدون


- ابن خلدون بين فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع!
- منهج ابن خلدون.
أ. الديناميكية.
ب. التعارض أو تقابل الأضداد "الديالكتيكية".



ابن خلدون بين فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع!

اختلف الباحثون في ابن خلدون؛ فبعضهم يعده بمقدمته منشئ علم الاجتماع (كالدكتور علي عبدالواحد وافي)، وبعضهم يعده مؤسس فلسفة التاريخ!
ويرجع هذا الاختلاف حول تصنيف مقدمة ابن خلدون أنه كان متعدد الجوانب، غير منحاز إلى مدرسة بعينها، بعكس المدارس الفكرية الحديثة التي صارت النزعة الواحدة والاتجاه الواحد أبرز سماتها.
لقد كان تفسير ابن خلدون للظواهر الاجتماعية والوقائع التاريخية شاملاً للتفسيرات الاقتصادية والتأويلات السيكولوجية والأيدلوجية والتفسير الجغرافي.
ولقد كان ابن خلدون واعيًا أن علمه لا يندرج ضمن الفلسفة بمفهومها التقليدي؛ فليس هو من السياسة المدنية التي هي تدبير المدنية بمقتضى الأخلاق والحكمة، ولكنه واقعيٌّ يتناول أحوال الأمم في ديمومتها وديناميكيتها[15].
والحكم الفيصل بين فلاسفة التاريخ وعلماء الاجتماع هو عرض ما قاله ابن خلدون على مقولات فلسفة التاريخ؛ وهي:
1 - الكليَّة والشمولية العالمية في النظرة إلى التأريخ؛ فالتأريخ المحلي أو النظرة الجزئية المحدودة، لا يمكن أن تشكل أساسًا لتفسير التأريخ، ولا يُنتظَر أن يستقرئ كل مفسر للتأريخ سائر الأمثلة التي تقدمها الوقائع التاريخية في سائر الحضارات، فذلك عمل، وإن كان هدفًا مثاليًّا، إلا أن تطبيقه من الصعوبة بمكان كبير.
وحسب مفسر التأريخ أن يقدم شرائح من حضارات مختلفة بحيث تكون نتائجها المستخلصة منها صالحة للتكرار والتعميم.
والعبرة في الكلية والشمولية بالنتائج توصل إليها ابن خلدون ومدى انطباق قضاياه الكلية التي استخلصها على غير  ما درسه من مجتمعات، ومدى انطباق نظريته على سائر الحضارات.
2 - العلية؛ فلا تفسير بدون تعليل، ولن تتحقق العبر واستخلاص السنن والقوانين بدون هذه العلية، وأي فلسفة، في أي علم من العلوم، لا بد أن تعتمد التعليل، وهذا من الفروق الأساسية بين المنهج التأريخي التقليدي والمنهج الحضاري أو منهج تفسير التأريخ.
والتعليل - أيضًا - لا بد أن يكون قابلاً للتكرار، في أطر حضارية أخرى، ولا بد أن يكون (عامًّا) شأن سائر القوانين، وأما التعليل الجزئي، الذي يشبه "الحكمة" الخاطفة، فلا يرقى إلى التعليل المطلوب لمفسر التأريخ.
والتعليل التاريخي الذي يعتمده مفسر التأريخ، ليس تعليلاً جزئيًّا - كما
ذكرنا - وليس تعليلاً خارجيًّا، بل هو تعليل باطني، مُستقى من الرؤية الشاملة الفلسفية لما يقبع خلف الوقائع الظاهرة.
3 - الفكر؛ فإذا كان المؤرخ مجرد مسجل للحدث، باحث عن الطرق الصحيحة لإثباته، فإن مفسر التأريخ يحتاج إلى عمليات فكرية معقَّدة، في محاولة لجمع جزئيات الماضي، ولاستحضاره في حاضره، عن طريق بنائه بناءً تركيبيًّا، ولاستخلاص أسباب اتجاهه للإيجاب أو السلب، فالجانب المعرفي والفكري أساسي لمفسِّر التاريخ[16].
هذا وقد امتازت نظرية ابن خلدون - بالإضافة إلى ما سبق - بمنج خاص بها، يتلخص هذا المنهج في نقطتين رئيستين؛ هما:
1- الديناميكية أو الحركة؛ فقد أعطانا ابن خلدون صورة تبدو وكأنها إعادة حية (متحركة) للوقائع، حتى نحس بطبيعة العوامل التي تقف خلف الأحداث، ولهذا لجأ لرصد كل العوامل النفسية والبيولوجية والفكرية والعقدية والاقتصادية، وربط بينها وأعطى لكل عامل حجمه في مرحلته التاريخية، فتحاشى بذلك ما ذكر أنه من أغلاط المؤرخين؛ حيث الجهل بالطبيعة البشرية، وطبيعة المجتمعات.
2- التعارض أو تقابل الأضداد: بالرغم من أن منهج تقبل الأضداد "الديالكتيكية" قد ظهر كمنهج إلا أننا لا يمكننا تفسير كلام ابن خلدون إلا على ضوئه، فعامل قيام الحضارة هو نفسه عامل زوالها! فالعصبية أساس قوة القبيلة وهي التي تلعب دورًا مهمًّا في تأسيس الملك وتكوين الدولة؛ فاتساع الدولة يكون مناسبًا مع قوة تلك العصبية (أيًّا كانت هذه العصبية؛ دينية أو عرقية أو جغرافية) وهي تنقل المجتمع من البداوة إلى التحضر، "ولكن صاحب الرياسة يطلب بطبعه الانفراد بالملك والمجد، والطبيعة الحيوانية تدفعه إلى الكبر والأنفة، فيأنف من أن يشاركه أهل عصبيته فيدفعهم عن ملكه، ويأخذهم بالقتل والإهانة وسلب النعمة، حتى يُصبحوا بعض أعدائه، وطبيعة التأله في الملوك تدفعه إلى الاستئثار؛ إذ لا تكون الرياسة إلا بالانفراد، فيجدع أنوف عشيرته وذوي قرباه لينفرد بالملك والمجد ما استطاع، ويعاني الملك في ذلك بأشد مما عانى في إقامة الملك؛ لأنه كان يدافع الأجانب وكان ظهراؤه على ذلك أهل العصبية أجمعهم، أما حين الانفراد بالملك فهو يدافع الأقارب مستعينًا بالأباعد، فيركب صعبًا من الأمر، إنه أمر في طبائع البشر لا بد منه في كل الملوك[17]".
وكذلك الترف؛ فهو قمة الرقي، وغاية الأمم من العمران، وبه تتباهى الأمم، وتقاس حضارتها وقوتها، وبه ترهب الدول المجاورة، ومع كل ذلك هو العلة الأساسية لحدوث الخلل في الدولة، وهو مؤذن بالفساد، وإذا حصل أقبلت الدولة على الهرم!



المبحث الثالث

نظرية التعاقب الدوري للحضارات



أطوار الأمم:
- طور البداوة.
- طور الحضارة والدولة.
- طور الهرم والفناء.


أطوار الأمم

لقد قسم ابن خلدون الحضارة إلى عدة أطوار، وذكر أن هذا أمر معلوم بالمشاهدة.
الطور الأول: طور البداوة؛ قال ابن خلدون:
"اعلم أن هذه الأطوار طبيعية للدول فإن الغلب الذي يكون به الملك إنما هو بالعصبية وبما يتبعها من شدة البأس وتعود الافتراس ولا يكون ذلك غالبا إلا مع البداوة فطور الدولة من أولها بداوة ثم إذا حصل الملك تبعه الرفه واتساع الأحوال"[18].
فإذا ما كانت الدولة والحضارة وهي الطور الثاني كانت لها هذه الأطوار الخمسة؛ قال ابن خلدون:
"اعلم أنَّ الدَّولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجدِّدة، ويكتسب القائمون بها في كلِّ طَور خُلقًا من أحوال ذلك الطَّور، لا يكون مثله في الطَّور الآخر؛ لأنَّ الخلق تابع بالطَّبع لمزاج الحال الذي هو فيه، وحالات الدَّولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار:
الطَّور الأوَّل: طور الظَّفر بالبُغية، وغلب المدافع والمانع، والاستيلاء على الملك وانتزاعه من أيدي الدَّولة.
الطَّور الثَّاني: طور الاستبداد على قومه والانفراد دونهم بالمُلكِ.
الطور الثالث: طور الفراغ والدَّعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر إليه من تحصيل المال وتخليد الآثار وبُعدِ الصَّيت.
الطور الرابع: طور القنوع والمسالمة.
الطور الخامس: طور الإسراف والتبذير[19].
وهنا يأتي طور التدهور والانحلال.
فالحضارة عند ابن خلدون تتعاقب على الأمم في ثلاثة أطوار: هي طور البداوة، ثم طور التحضر، ثم طور التدهور الذي يؤدي إلى السقوط.
- فأما طور البداوة فيمثل له ابن خلدون بمعيشة البدو في الصحاري، والبربر في الجبال، والتتار في السهول، وهؤلاء عند ابن خلدون لا يخضعون لقوانين مدنية ولا تحكمهم سوى حاجاتهم وعاداتهم.
- وأما طور التحضر: فهو طور تأسيس الدولة عقب الغزو والفتح، ثم الاستقرار في المدن، والتمكن من العلوم والصناعات، وهذا الطور يقوم على الدين والعصبية.
- وأما طور التدهور: فيأتي في نهاية التحضر، بعد مرحلة الازدهار، ووصول الناس إلى مرحلة الانغماس في الترف، والتحلل في الأخلاق، وتغير العادات إلى المناكر، والتواضع عليها.
وقد انتهى ابن خلدون من خلال نظريته في تفسير التاريخ - باستثناء عشرات النظرات والآراء الجزئية - إلى عدد من القوانين اعتبرت جوهر نظريته، وهي:
1 - أن تطور التاريخ يخضع للتدافع والصراع والتفاعل.
2 - أن العصبية الدينية والقبلية لها دور أساسي في بناء الدول.
3 - أن الحضارة كالكائن الحي في تطوره من البداوة إلى الحضارة ثم الاضمحلال.
4 - وأن الدول كالأفراد تخضع لدورة الحياة الفردية نفسها حتى تموت.
5 - أن العوامل الجغرافية والبيئية مؤثرة في التاريخ.
6 - أن للاقتصاد دورًا مهمًّا في العمران البشري.
7 - أن الدول تسقط بسقوط العصبية والولاء للدين.
8 - أن العرب (والإنسانية كلها) لا تصلح بغير الدين[20].



الخاتمة

لقد استطاع ابن خلدون أن يقيم نظرية قائمة على أساس من الوحدة والترابط، قوامها العصبية الواحدة سواء عصبية الجنس أو عصبية القبيلة أو عصبية الدين، إلا أنه قد أوضح بوضوح أن العرب لا تقيمهم أمة واحد إلا عصبية الدين، فكان بذلك مستجليًا روح حضارة الإسلام القائمة على التوحد ونبذ الفرقة[21].
إلا أنه مثله مثل غيره يخطئ ويصيب، ومما أخذ عليه:
1- نقص استقرائه في شؤون السياسة وقيام الدول؛ حيث إنه لم يستقرئ هذه الظواهر إلا في عصور خاصة وأمم معينة، وهي في الغالب ممالك المغرب والأندلس، ومن الشروط المهمة في فلسفة التاريخ شرط: الكلية والشمول.
2- اتهامه بالتحامل على العرب، وذلك حين ذكر بعض المثالب والنقائص واصفًا بها العرب؛ من مثل أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط، وأن العرب أبعد الناس عن الصنائع، وأن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا في الأقل.
وقد اختلف الباحثون في المراد بكلمة العرب؛ هل المراد الأعراب، أم العرب جميعًا كجنس؟
لقد ذكر الدكتور فتحي رضوان في مقال: "حينما تكره الشعوب ذاتها"[22] أنه يقصد العرب جميعًا، ووافقه على هذا الرأي الدكتور طه حسين والأستاذ محمد عبدالله عنان، أما الدكتور علي عبدالواحد وافي[23] فيرى أنه لم يقصد سوى الأعراب ويرى رأيه الأستاذ مصطفى الشكعة والأستاذ ساطع الحصري.

 




المصادر والمراجع


* ابن خلدون،  ولي الدين عبدالرحمن:
المقدمة، طبعة كتاب الشعب، بإشراف الدكتور علي عبدالواحد وافي.
* رضوان، فتحي (دكتور):
"حينما تكره الشعوب ذاتها"، مقال منشور بمجلة الهلال عدد أول نوفمبر 1986، الموافق 28 صفر 1407، وأعادت نشره مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1436 هـ، في باب: من تراث الهلال.
* الزركلي، خير الدين:
 الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، مايو 2002 م، (3 / 330).
* الشافعي،  حسن (دكتور):
- التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، دار البصائر، الطبعة الأولى 2012.
- المدخل إلى الفلسفة العامة، دار البصائر، الطبعة الأولى 2012.
* الشيخ، رأفت غنيمي (دكتور):
فلسفة التاريخ، دار الثقافة للنشر والتوزيع  1987 - 1988 م.
* صبحي، أحمد محمود (دكتور):
في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية، 1975.
* ابن عاشور، محمد الطاهر، ومحمد إقبال:
روح الحضارة والثقافة الإسلامية، هدية مجلة الأزهر لشهر شعبان 1433 (61 - 66).
* عويس، عبدالحليم (دكتور):
ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ، مقال بمجلة البحوث الإسلامية (15 / 238).
* النشار، مصطفى (دكتور):
فلسفة التاريخ، سلسلة الشباب 14، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى 2004.
* وافي، علي عبدالواحد (دكتور):
عبدالرحمن بن خلدون، حياته وآثاره ومظاهر عبقريته، سلسلة أعلام العرب 4.



[1] - الدكتور عبدالحليم عويس: ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ، مقال بمجلة البحوث الإسلامية (15 / 238).
[2] - انظر: المرجع السابق.
[3] - انظر:
- الدكتور علي عبدالواحد وافي: عبدالرحمن بن خلدون، حياته وآثاره ومظاهر عبقريته، سلسلة أعلام العرب 4.
- الدكتور حسن الشافعي: المدخل إلى الفلسفة العامة، دار البصائر، الطبعة الأولى 2012، (ص: 232)
- الدكتور أحمد محمود صبحي: في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية، 1975، (هامش ص: 133، 134).
- الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، مايو 2002 م، (3 / 330).
[4] الدكتور علي عبدالواحد وافي: عبد الرحمن بن خلدون.
[5] - المرجع السابق، (ص: 24).
[6] - المرجع السابق (ص: 25، 26) بتصرف.
[7] - الدكتور عبدالحليم عويس: ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ.
[8] - الدكتور حسن الشافعي، مرجع سابق (ص: 232).
[9] - د. علي  عبدالواحد وافي، عبدالرحمن بن خلدون (ص: 131).
[10] - الدكتور حسن الشافعي: التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، دار البصائر، الطبعة الأولى 2012، (ص: 163).
[11] - د. علي  عبدالواحد وافي، عبدالرحمن بن خلدون (ص: 239).
[12] - عبدالحليم عويس: ابن خلدون رائد عصر جديد في فقه التاريخ، مجلة البحوث الإسلامية (15 / 244).
[13] د. علي  عبدالواحد وافي، عبدالرحمن بن خلدون (ص: 129 , 130) بتصرف.
[14] - الدكتور حسن الشافعي: التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، (ص: 166)، وانظر: الدكتور أحمد محمود صبحي: في فلسفة التاريخ، مؤسسة الثقافة الجامعية بالإسكندرية، 1975، (ص: 133 - 135).
[15] - انظر: الدكتور أحمد محمود صبحي: في فلسفة التاريخ، (ص: 135 - 137)
[16] - الدكتور عبدالحليم عويس: ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ، مرجع سابق، ود. أحمد صبحي، في فلسفة التاريخ، مرجع سابق.
[17] - مقدمة ابن خلدون، طبعة كتاب الشعب، بإشراف الدكتور علي عبدالواحد وافي (ص: 157).
[18] - مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق  (ص: 154).
[19] - مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق  (ص: 157، 158).
[20] - الدكتور عبدالحليم عويس: ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ، مرجع سابق.
[21] - انظر: محمد الطاهر ابن عاشور، ومحمد إقبال: روح الحضارة والثقافة الإسلامية، هدية مجلة الأزهر لشهر شعبان 1433 (61 - 66).
[22] - الدكتور فتحي رضوان: "حينما تكره الشعوب ذاتها"، مقال منشور بمجلة الهلال عدد أول نوفمبر 1986، الموافق 28 صفر 1407، وأعادت نشره مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1436 هـ، في باب: من تراث الهلال.
[23] - انظر: علي عبدالواحد وافي: عبدالرحمن بن خلدون، مرجع سابق (ص: 219).

التعليقات



عن الموقع

موقع محمود العيسوي: موقع إلكتروني ثقافي شامل.

إحصائيات الموقع

شبكة الألوكة

زيارة شبكة الألوكة

جميع الحقوق محفوظة

موقع محمود العيسوي

2019


تطوير

ahmed shapaan