-->
موقع محمود العيسوي موقع محمود العيسوي
random

مواضيع تهمك

random
random
جاري التحميل ...
random

همام (مسرحية شعرية) - المشهد الثاني


همَّام

(مسرحية شعرية)
المشهد الثاني


على شاطئ البَحر يَجلس همَّام، يَغمره الليلُ وتحوطُه دعواتُ أمِّه، ودموع الوداع تخط خطوطها على وجنتيه، وبحار من الذكريات تهدر أمواجها العاتية في رأسه...

همَّام:
هَذي بلادِي كم عَشقتُ!
ولأَجلِها دَمعي ذرفْتُ!
في القَلب يَجري حبُّها
وهي الهَوى مَهما هجرْتُ
سـأحبُّها وأحــبُّها
وأحبُّها، مَهما كَرهتُ
لولا المُـعاناةُ الـتي
لاقيتُها أنا ما ابتعدتُ
لولا فسادُ معيشة
والظلمُ فيها ما خرجْتُ
ولأنتِ مَهد طُفولتي
وعلى تُرابِكِ قد دَرجتُ
ولأنتِ أنتِ حَبيبتي
لكنَّني فيكِ ظلمتُ

(ثم يسند همام ظهره إلى حجر كبير، ويتذكر ما لاقاه من المتاعب والمصاعب، وما عاناه من ظلم وسجن).

همَّام:
وظلمت فيكِ حبيبتي
   وبُليـتُ شـرَّ بليةِ
ألأننـي رمتُ الحلا
  لَ أساقُ سوق مذلَّة؟
لاقيتُ فيكِ مـهانةً
 ولأنتِ نبع كرامـتي
وتركتِ نفسك للطغاةِ
  فأفحشوا، يا حسرتي!
سلبوكِ طهركِ يا بلا
دي خلسةً كأسيرةِ

(وفجأة يقطع خلوته قفزة مَرِحة على ظهره من صديقه رامي، الذي وصل أيضًا إلى الشاطئ ليركب السفينة التي ينتظرها همام).

رامي:
يا فرحتي يا فرحتي
همام شهم الحارةِ
سيكون لي خير الرفيـ
ـق، وصاحبي في غارتي

يعانقه همام عناقًا حارًّا، ثم يتضاحكان على ما قاله رامي.

همام:
أهلًا بخير صديقِ
في البأس أنتَ رفيقي
ولأنتَ خير مُعينٍ
في شدَّتي والضِّيقِ

يأخذهما الحديث إلى ذكريات الطفولة، ثم يتذكران ما عانياه في مصر في أعوامهما الأخيرة فيها

رامي:
لولا الذي عانيتُ في مصر
         مِن بُؤسها والظُّلم والقهر
لولا المذلَّة والهوان بأرضها
        لبقيتُ حتى ينتهي عمري

همام:
ماذا سنفعل غير هجرٍ قاتل
 حتى تُطهَّر مِن أَقذارها الكُثرِ؟!

رامي:
إني ليحزنني فراق أحبتي
    ويحز في قلبي فراق الأسرة
وأخي وأختيَّ الذين تركتهم
   يبكون خوفًا من مآسي غربتي

يقاطعه همام:
همام:
ماذا سنفعل؟ هل نظل ببؤسنا؟
    لن نستطيع العيش عيش مهانة
إني سئمتُ الظلم يطغى عندنا
      وسئمت عيشًا في الحياة بذلَّةِ
والله وسع أرضه يا صاحبي
     والله يرزق كل ساع مُخبتِ

رامي:
أوَ هل تظنُّ بأنني يا صاحبي
  سأحقق الحلم الجميل لإخوتي؟!
أبني لهم بيتًا يواري فقرهم؟
أو أشتري في العيد أحسن كسوةِ؟
أتزوج الحسناء بنت محمد!
         اللهِ من حلم يجي بالبهجة!

يطرق همام إطراقة حزينة، ثم يرفع رأسه تبلل الدموع جفنيه

همام:
وحتى أنت يا رامي؟
       تؤجج نار أحلامي؟!
تجدد عهد أحزاني
وتفتح عين آلامي!!
تركت جميع أحبابي
لمجهولاتِ أيامي!
وجئتُ لأرسم الحلم
على ألواح أسقامي
ألوِّنه بما عانيـ
ـتُ من جورٍ وإظلام!
أجدد هذه الألوا
ن فرحًا بعد إيلامِ
ألونه فيغدو النو
ر يزهر كل أعوامي

(يتلفَّت همام ورامي حولهما فيريان إقبال الناس على الشاطئ من كل حدب وصوب، وإذا بالشاطئ يزدحم بالرجال والنساء والأطفال، جميعهم يفرُّ إلى حيث لا يعلمون من أرض الله!)

رامي:
أوَّاه ما هذا العدد؟!
خرجوا جميعًا م البلد!

همام:
خرجوا وكلهمُ كمد!
خرجوا وما لهمُ سند!
يا بؤسهم إذ نُكستْ
منهم رؤوس كالجُدَد!!

يقطع حديثهما صوت سفينة متهالكة تشق الماء ببطء شديد، تظللها سحابة سوداء من الدخان المتصاعد من محرِّكها.

صاح رجل من الواقفين على الشاطئ:
هذي السفينة أقبلت
صاح آخر:
الله أكبر
صاحت امرأة:
رأيتها.. سمعتها
هتف رجل:
هلَّت تصفِّر!
وصاح آخر:
هيا اسرعي... لا تبطئي
هيَّا.. وأكثر!

تصايحوا ونادَوا السَّفينا
هيا اسرعي، لا تبطئي، خذينا
إلى بقاع الأرض فاحملينا
إنا سئمنا عيشنا المهينا
وهي تشدو شدوها الحزينا
تعوي فيسمعونها رنينا
وأقبلتْ تمشي بهم هُوِينا
فزادهم إقبالها شجونا
هيا اسرعي وقطِّعي السكونا
حتى رستْ فهيَّجت حنينا
تأجَّج الغرام مستبينا

وصاح رجل:
يا أرضنا وعشقنا المدفونا
عشنا هنا في حضنها السنينا
لحبِّها بل عشقِها هُدينا
فرد عليه همام:
لكنها أحبت الخَؤون
ألقت بنا إلى الطغاة هونا
فاظَّالموا وملؤوا السجونا
وأفحشوا ونهبوا المؤونا

فصاحت امرأة تبكي:
يا بؤسنا إذ همُ شردونا
حتى خرجنا منها مكرهينا
***
ثم تباكوا للوداع حينا
وأغرق الدمع لهم جفونا
واصايحوا والأهل: أذكرونا!!


ثم انطلقت بهم سفينتهم تعوي في وسط الماء ...

التعليقات



عن الموقع

موقع محمود العيسوي: موقع إلكتروني ثقافي شامل.

إحصائيات الموقع

شبكة الألوكة

زيارة شبكة الألوكة

جميع الحقوق محفوظة

موقع محمود العيسوي

2019


تطوير

ahmed shapaan